الصحة و الحياةأخبار عامة

قابس تحت الصدمة: اختناق تلاميذ بسبب تسرب غازات صناعية في شاطئ السلام

تفاصيل الحادثة

شهدت ولاية قابس يومًا استثنائيًا ومقلقًا إثر حادثة خطيرة في منطقة شاطئ السلام، حيث تعرّض عدد من التلاميذ داخل إحدى المؤسسات التربوية إلى اختناق مفاجئ جرّاء تسرب غازات من الوحدات الصناعية التابعة للمجمع الكيميائي.

الواقعة حدثت خلال فترة الدروس، إذ لاحظ المربون علامات غير طبيعية على التلاميذ، من بينها صعوبة في التنفس، سعال متواصل، تهيّج في العينين، وهو ما دفع إلى التدخل السريع ووقف الدروس على الفور.

تم نقل المصابين إلى المستشفى الجامعي بقابس حيث تلقوا الإسعافات الضرورية. ورغم أن الحادث لم يخلف وفيات، إلا أنّ المشهد كان مؤثرًا وصادمًا للأولياء الذين توافدوا بسرعة نحو المدارس خوفًا على حياة أبنائهم.

الوضع الصحي للتلاميذ

المصادر الطبية أكدت أنّ بعض التلاميذ تماثلوا للشفاء بسرعة بعد تلقي الأوكسجين والعلاج المناسب، في حين تم إبقاء آخرين تحت المراقبة الطبية لتفادي أي مضاعفات محتملة على الجهاز التنفسي.

الأطباء شددوا على أنّ مثل هذه الحوادث قد تترك آثارًا صحية طويلة المدى على الأطفال، خصوصًا الذين يعانون من أمراض مزمنة كالربو أو الحساسية.

غضب الأهالي ومخاوف متجددة

الحادثة أعادت إلى الواجهة ملف التلوث الصناعي المزمن في قابس، إذ عبّر عدد كبير من الأهالي عن غضبهم من تكرار مثل هذه الكوارث البيئية.

وأكدوا أن ما حصل ليس مجرد حادث عابر، بل هو جرس إنذار جديد يثبت أن حياة السكان، وخاصة الأطفال، مهددة يوميًا بسبب الانبعاثات الصناعية.

وقال بعض الأولياء إنّهم أصبحوا يعيشون في حالة خوف دائم من تكرار مثل هذه الأزمات، مشيرين إلى أن المشكل ليس وليد اللحظة بل تراكم لسنوات بسبب غياب حلول جذرية تحمي صحة الناس.

المجتمع المدني يتحرك

الجمعيات البيئية في قابس استنكرت الحادثة بشدة، معتبرة أنّها نتيجة مباشرة لـ”غياب الرقابة الفعالة” على المؤسسات الصناعية.

وطالبت هذه الجمعيات بضرورة إجراء فحوصات طبية شاملة للتلاميذ الذين تعرضوا للاختناق، مع إرساء منظومة متابعة طويلة المدى للكشف عن أي تأثيرات صحية قد تظهر لاحقًا.

كما شددت على ضرورة تسريع الانتقال الطاقي وإيجاد بدائل أقل ضررًا للبيئة والسكان، معتبرة أن ما يحصل في قابس يمثل “قنبلة بيئية موقوتة”.

موقف السلطات

في أول تعليق رسمي، أكدت السلطات الجهوية أن التحقيقات جارية لتحديد أسباب الحادث بدقة، كما تم إرسال فرق مختصة لقياس نسب التلوث في محيط المدارس القريبة من الوحدات الصناعية.

وزارة البيئة من جانبها أوضحت أنها ستتخذ إجراءات ردعية في حال ثبوت أي تجاوز من قبل المؤسسات الصناعية المعنية، مؤكدة أن صحة المواطنين فوق كل اعتبار.

لكن هذه الوعود لم تُقنع الأهالي الذين يرون أنّ الخطابات الرسمية كثيرًا ما تتكرر دون أن تترجم إلى حلول عملية ملموسة.

البعد البيئي والاقتصادي

حادثة قابس تكشف مجددًا عن التناقض الصارخ بين متطلبات التنمية الصناعية والحفاظ على البيئة. فالمجمع الكيميائي يُعد من أهم مصادر التشغيل في الجهة، لكنه في المقابل يمثل أيضًا مصدر قلق دائم للسكان بسبب الانبعاثات الغازية والمخلفات الصناعية.

ويرى خبراء أنّ التحدي الحقيقي يكمن في إيجاد توازن بين البعد الاقتصادي والاجتماعي والبعد البيئي والصحي، من خلال اعتماد تقنيات حديثة تقلل من نسب التلوث وتضمن احترام المعايير الدولية للسلامة.

دعوات لحلول جذرية

الحادثة دفعت عديد الأطراف إلى تجديد الدعوة لوضع خطة وطنية شاملة تُعنى بمدينة قابس، تشمل:

  • مراقبة صارمة على المؤسسات الصناعية.
  • إعادة تهيئة البنية التحتية في المناطق القريبة من الوحدات الملوثة.
  • تجهيز المدارس بوسائل إنذار وأماكن تهوية ملائمة.
  • إطلاق برامج صحية دورية لفحص الأطفال والسكان في المناطق المتضررة.

صوت التلاميذ

بعض التلاميذ الذين عاشوا لحظات الرعب أكدوا أنّهم شعروا فجأة بضيق شديد في التنفس، وأن المشهد داخل الأقسام كان “مخيفًا” حيث اضطر البعض إلى مغادرة القاعات مسرعين نحو الساحة طلبًا للهواء.

ورغم صغر سنهم، فإن هذه التجربة ستبقى عالقة في أذهانهم، وقد تؤثر نفسيًا على نظرتهم للمدرسة والمنطقة التي يعيشون فيها.

نقاش مفتوح على مواقع التواصل

على منصات التواصل الاجتماعي، تحوّل الحادث إلى موضوع نقاش واسع، حيث عبّر العديد من الناشطين عن تضامنهم مع التلاميذ وعائلاتهم، في حين تساءل آخرون عن مدى جدية الدولة في التعامل مع ملف التلوث في قابس.

البعض اعتبر أن المدينة “تعيش مأساة بيئية حقيقية”، بينما دعا آخرون إلى مقاضاة الشركات التي تتسبب في تهديد حياة السكان.

الخلاصة

حادثة اختناق التلاميذ في قابس ليست الأولى من نوعها، لكنها الأكثر رمزية لأنها طالت أطفالًا داخل مؤسسات تربوية يُفترض أن تكون ملاذًا آمنًا.

هي مأساة تذكّر بأنّ الصحة والبيئة وجهان لعملة واحدة، وأنّ أي تقصير في هذا الجانب قد يقود إلى كوارث أكبر.

ويبقى السؤال مطروحًا: هل تتحول هذه الحادثة إلى منعطف حقيقي يدفع السلطات لاتخاذ قرارات جذرية؟ أم أنّها ستُضاف إلى سجل طويل من الحوادث التي طواها النسيان؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
belhaq-online