أخبار عامةالصحة و الحياة

بعد تدخل رئاسي: غرفة القصابين تكشف السعر النهائي للحوم الحمراء في تونس – تفاصيل الإعلان الرسمي

شهد قطاع اللحوم الحمراء في تونس خلال الأسابيع الأخيرة حالة من الجدل والاحتقان بين المهنيين والمستهلكين على حد سواء، وذلك بسبب الارتفاع المتواصل في أسعار لحوم البقر والعلوش (الخراف)، مما أثار استياءً واسعاً لدى المواطنين، خاصة مع اقتراب المواسم الاستهلاكية الكبرى مثل الأعياد والمناسبات العائلية.

ومع تصاعد الاحتجاجات والتشكيّات، تدخّل رئيس الجمهورية شخصياً لمتابعة الملف، في خطوة اعتبرها كثيرون رسالة واضحة بأن الدولة لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام موجة الغلاء التي أنهكت القدرة الشرائية للأسر التونسية.

تفاصيل الإعلان الرسمي من غرفة القصابين

في أعقاب هذا التدخل الرئاسي، عقدت الغرفة الوطنية للقصابين اجتماعاً طارئاً بمقر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، حضره ممثلون عن وزارتي التجارة والفلاحة، بالإضافة إلى هياكل مهنية أخرى.

وخلال الاجتماع، تم الاتفاق على تحديد سعر نهائي وموحّد للحوم الحمراء في مختلف نقاط البيع، وذلك بهدف وضع حد للتفاوت الكبير في الأسعار الذي كان يثير جدلاً من مدينة إلى أخرى.

🔹 وبحسب الإعلان الرسمي:

  • تم ضبط سعر الكيلوغرام الواحد من لحم البقر الهبرة بـ 37 ديناراً.
  • فيما حُدد سعر الكيلوغرام من لحم العلوش بـ 32 ديناراً.

وأكدت الغرفة أنّ هذه الأسعار تأتي بعد مشاورات معمّقة أخذت بعين الاعتبار كلفة الإنتاج وهوامش الربح المعقولة للقصابين، إلى جانب القدرة الشرائية للمواطنين.

خلفيات الأزمة وارتفاع الأسعار

لفهم قرار التدخل الرئاسي، لا بد من العودة إلى الأسباب التي دفعت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة:

  1. ارتفاع أسعار الأعلاف: شهدت السوق العالمية، ومن ثمّ التونسية، زيادة كبيرة في أسعار الحبوب والأعلاف، وهو ما انعكس مباشرة على كلفة تربية الأبقار والأغنام.
  2. التهريب والاحتكار: تحدّثت تقارير عديدة عن وجود شبكات تستغل الفوضى في السوق لاحتكار كميات كبيرة من الماشية، ثم ضخّها بأسعار مرتفعة.
  3. تراجع القطيع الوطني: بسبب سنوات الجفاف المتتالية، تكبّد مربّو الماشية خسائر فادحة، مما دفع البعض إلى التخلي عن نشاطهم، وهو ما قلّص من العرض المحلي.
  4. غياب الرقابة الصارمة: لاحظ المواطنون تفاوتاً كبيراً في أسعار اللحوم بين العاصمة والجهات الداخلية، وهو ما عكس ضعف الرقابة الاقتصادية في بعض المناطق.

الموقف الشعبي وردود الأفعال

لم يمرّ الإعلان عن الأسعار الجديدة مرور الكرام، إذ انقسمت آراء التونسيين بين مرحب ورافض:

  • فريق من المواطنين اعتبر أن الخطوة إيجابية، خاصة أنّها أنهت حالة الفوضى وأعادت بعض التوازن إلى السوق.
  • فيما رأى آخرون أنّ الأسعار ما تزال مرتفعة مقارنة بقدرتهم الشرائية، خصوصاً مع تدهور الدخل الشهري وارتفاع أسعار المواد الأساسية الأخرى مثل الزيت والسكر والحبوب.

على مواقع التواصل الاجتماعي، عبّر العديد من النشطاء عن امتنانهم للتدخل الرئاسي، معتبرين أنّه أرسل رسالة قوية للمحتكرين والمضاربين. لكن في المقابل، تساءل آخرون: هل يكفي تحديد الأسعار إذا لم يتم توفير آليات حقيقية للتنفيذ والمراقبة؟

موقف المهنيين (القصابين والمربّين)

من جهتهم، أكد ممثلو الغرفة الوطنية للقصابين أنّهم قبلوا بهذه التسعيرة “الاضطرارية” من منطلق وطني بالأساس، رغم أنّها قد لا تغطي بالكامل ارتفاع الكلفة لديهم.

أما المربّون، فقد عبّر بعضهم عن خشيتهم من أن تكون هذه القرارات على حسابهم، إذ أنّهم يواجهون صعوبات يومية في توفير العلف والماء واللقاحات لقطعانهم. وهنا دعا الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري الحكومة إلى مرافقة القرار بحزمة إجراءات دعم تشمل تخفيض أسعار الأعلاف وتقديم منح للمنتجين.

البعد السياسي والاجتماعي للتدخل الرئاسي

لم يكن التدخل الرئاسي في ملف الأسعار مجرد إجراء اقتصادي بحت، بل حمل دلالات سياسية واجتماعية عميقة:

  1. رسالة إلى المحتكرين: أنّ الدولة تتابع عن كثب الملفات الحساسة ولن تتسامح مع التلاعب بقوت الشعب.
  2. طمأنة المواطنين: في ظلّ الغلاء العام وارتفاع نسب التضخم، جاء القرار ليعطي انطباعاً بأن السلطات لم تنسَ هموم المواطن اليومية.
  3. إعادة التوازن: اعتبر مراقبون أن تدخل الرئيس في هذا الملف أعاد بعض الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، ولو بشكل مؤقت.

التحديات المقبلة

رغم الاتفاق على التسعيرة، تبقى عدة أسئلة مطروحة:

  • هل ستلتزم جميع محلات الجزارة بهذه الأسعار فعلاً، أم أنّها ستظل حبراً على ورق في غياب الرقابة؟
  • هل ستتم مرافقة القرار بحلول هيكلية، مثل دعم الإنتاج المحلي وتطوير تربية الماشية؟
  • كيف سيتم التعامل مع شبكات التهريب والاحتكار التي تستغل ضعف الرقابة؟

الخبراء الاقتصاديون يرون أنّ الحلّ الجذري يكمن في إصلاح شامل للقطاع الفلاحي، بدءاً من دعم الأعلاف إلى تشجيع تربية المواشي عبر منح وتسهيلات، وصولاً إلى تحسين مسالك التوزيع وربطها مباشرة بالمنتج والمستهلك دون وسطاء.

خاتمة

حادثة التدخل الرئاسي في ملف أسعار اللحوم الحمراء تكشف عن حجم التحديات التي تعيشها تونس على مستوى الأمن الغذائي والقدرة الشرائية للمواطن. فبين ضغط المستهلك الذي يبحث عن أسعار عادلة، وضغط المربّي والقصاب الذي يطالب بهامش ربح يضمن استمرارية نشاطه، تظلّ الدولة مطالبة بالتوفيق بين الطرفين عبر حلول مبتكرة ودائمة.

وبينما رحّب كثيرون بقرار تحديد الأسعار كخطوة عاجلة، يظلّ السؤال مطروحاً: هل ستتحول هذه الخطوة إلى إصلاح طويل الأمد يضمن استقرار السوق ويحمي المواطن من تقلبات الغلاء؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
belhaq-online