أخبار عامة

قضية الكلب “روكي” في سوسة: بين العقوبة الرمزية والبحث عن عدالة أوسع

من حادثة فردية إلى قضية رأي عام

لم تكن حادثة الاعتداء على الكلب “روكي” في ولاية سوسة مجرّد واقعة عابرة، بل تحوّلت في ظرف وجيز إلى قضية رأي عام أثارت جدلًا واسعًا حول مكانة الحيوانات في المجتمع التونسي ومدى فعالية القوانين في حمايتها. فقد حكمت المحكمة بالسجن ثلاثة أشهر على المعتدي، مع تغريمه بالمليم الرمزي لفائدة جمعية الرحمة للرفق بالحيوان، وهو حكم أثار نقاشًا قانونيًا وأخلاقيًا حول قيمة العقوبات الرمزية وأثرها في تحقيق العدالة.

القضية أعادت إلى الواجهة تساؤلات أساسية تتعلق بدور المحاماة، القضاء، والجمعيات المدنية في ضمان حقوق الكائنات الحية، فضلًا عن ارتباط هذه الملفات بموضوعات كبرى مثل القانون المدني، التعويض، العقوبات، وحتى علاقة الإنسان بالبيئة والاستثمار في التشريعات الحديثة.


تفاصيل الحكم القضائي

أفاد المحامي إلياس الجيلاني، الناطق باسم جمعية الرحمة، أن المحكمة قضت بالسجن لمدة ثلاثة أشهر ضدّ المعتدي الذي استخدم قضيبًا حديديًا للاعتداء على الكلب “روكي”، ما أدى إلى إصابته بشلل كلي، قبل أن يفارق الحياة لاحقًا.
كما صدر حكم بتغريم المتهم بالمليم الرمزي لفائدة الجمعية بصفتها الشاكية، وهو ما اعتُبر بمثابة تعويض معنوي لا يُلزم المعتدي بمبالغ مالية ضخمة، لكنّه يُسجَّل في ملفه كوصمة دائمة.

الجمعية، من جانبها، أعلنت على لسان محاميها أنها قررت استئناف الحكم، معتبرة أنّ العقوبة لا تتناسب مع فداحة الفعل والأضرار النفسية التي نتجت عن الاعتداء.


دلالة المليم الرمزي في القانون

يُعتبر الحكم بـ”المليم الرمزي” من بين الإجراءات المعروفة في الأنظمة القضائية، حيث يُستعمل هذا الرمز للتأكيد على أنّ القضية تتعلّق بالجانب المعنوي والاعتباري أكثر من الجانب المادي.
فالمحكمة أرادت عبر هذا الحكم أن توصل رسالة بأن حقوق الحيوان يجب أن تُحترم، وأن أي اعتداء عليه يُعدّ مساسًا بالقيم الإنسانية.

إلا أنّ هذا التوجه لم يُرضِ الكثير من الناشطين، الذين اعتبروا أن التعويض الرمزي غير كافٍ لردع المعتدين أو للحد من تكرار مثل هذه الأفعال، خصوصًا أن الاعتداءات على الحيوانات ما تزال متواترة في مناطق مختلفة.


البعد القانوني: هل تكفي العقوبات الحالية؟

القانون التونسي لا يتضمن نصوصًا صارمة بخصوص جرائم العنف ضد الحيوانات مقارنة بالقوانين الأوروبية مثلًا، حيث تصل العقوبة في بعض الدول إلى السجن لسنوات وغرامات مالية ضخمة قد تتجاوز 50 ألف يورو.
هذا يفتح باب النقاش حول ضرورة تطوير التشريعات وربطها بالمعايير الدولية، بما يضمن حماية أكبر للحيوانات وتفعيل العقوبات الردعية.

المحاماة في هذا السياق تلعب دورًا محوريًا، إذ أن المحامي لا يقتصر دوره على الدفاع أمام القضاء، بل يمتد إلى اقتراح مشاريع قوانين وتقديم استشارات تشريعية، وهو ما يُعرف اليوم بـ الاستثمار القانوني في القضايا المجتمعية.


جمعية الرحمة: بين الدفاع عن الحيوان وحماية البيئة

أكّد المحامي الجيلاني أن جمعية الرحمة لا تهدف إلى جمع الأموال، بل إلى الدفاع عن حقوق الحيوانات، ورعاية قضاياها ضمن الأطر القانونية.
هذه الجمعيات باتت اليوم شريكًا أساسيًا في المشهد القضائي، إذ تساعد في تقديم الشكاوى ومتابعة الملفات لدى المحاكم، بما يشبه دور المحامي الجماعي أو “المدعي العام المدني” الذي يتحرك دفاعًا عن حقوق الفئات الضعيفة.


تأثير القضايا الحيوانية على المجتمع

تأخذ مثل هذه القضايا بعدًا اجتماعيًا وأخلاقيًا واسعًا. فالمجتمع الذي يحترم الحيوان، هو بالضرورة مجتمع أكثر التزامًا بالقانون وأكثر احترامًا للقيم الإنسانية.
وقد أثبتت الدراسات أنّ الأطفال الذين يُربّون في بيئة تحترم حقوق الحيوان، يكبرون بوعي قانوني وأخلاقي أوسع، مما ينعكس على استقرار العلاقات الاجتماعية، ويقلل من نسب العنف.


الإعلام ودوره في تضخيم أو توضيح القضايا

لا يمكن إغفال دور الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في تحويل قضية “روكي” إلى قضية وطنية.
فلو لم تُسلّط الأضواء على هذه الحادثة، لربما مرت مرور الكرام دون أن تثير أي نقاش عام.
هذا يثبت أن الصحافة القانونية والإعلام الرقمي أصبحا شريكين في تطوير الوعي المجتمعي، وهو ما يدعو إلى استثمار أكبر في التأمين الإعلامي للقضايا الحساسة وربطها بالتحولات القانونية.


البعد الاقتصادي: هل يمكن ربط القضايا الحيوانية بالاستثمار؟

قد يبدو الحديث عن الاستثمار في سياق قضية حيوان أمرًا غريبًا، لكن الواقع يُظهر أنّ هناك علاقة وثيقة بين حماية البيئة والحيوان وبين الاقتصاد.
فالبلدان التي تملك قوانين صارمة لحماية الحيوان، تحقق في الوقت نفسه مكاسب اقتصادية من خلال تعزيز السياحة البيئية، وجلب الاستثمارات المرتبطة بالتأمين الصحي والبيئي.

من هنا، فإن تطوير القوانين الخاصة بحماية الحيوان لا يخدم فقط الجانب الأخلاقي، بل يفتح أيضًا آفاقًا واسعة أمام الاستثمار في المحاماة البيئية والتأمين الأخضر.


دعوات لتشديد العقوبات وتطوير النصوص

جمعية الرحمة ومعها العديد من النشطاء، وجّهوا دعوات واضحة نحو ضرورة تشديد العقوبات وربطها ليس فقط بالسجن والغرامة، بل أيضًا ببرامج إعادة التأهيل النفسي والاجتماعي للمعتدين.
فالعنف ضد الحيوان قد يكون مؤشرًا خطيرًا على قابلية صاحبه لممارسة العنف ضد الإنسان أيضًا، وبالتالي فإن الردع القانوني يصبح في مصلحة المجتمع بأسره.


الخاتمة: بين القانون والأخلاق

قضية الكلب “روكي” لم تكشف فقط عن مأساة حيوان تعرض للتعذيب، بل فتحت الباب أمام أسئلة أكبر:

  • هل تكفي القوانين الحالية لحماية الحيوانات في تونس؟
  • هل يمكن للردع الرمزي أن يحقق العدالة؟
  • كيف يمكن توظيف المحاماة والتشريعات لبناء مجتمع أكثر إنصافًا؟

إنها قضية تتجاوز حدود الحيوان لتلامس صميم العلاقة بين الإنسان والبيئة، وبين القانون والعدالة، في وقت يحتاج فيه المجتمع التونسي إلى تطوير قوانينه بما يتماشى مع المعايير الإنسانية والدولية.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
belhaq-online